• ١٩ كانون أول/ديسمبر ٢٠٢٤ | ١٧ جمادى الثانية ١٤٤٦ هـ
البلاغ

حبُّ الله وعلاقته بالإيمان والسلوك

عمار كاظم

حبُّ الله وعلاقته بالإيمان والسلوك

مفهوم الحبّ يعبّر عن حالة تعلُّق خاصّ وانجذاب مخصوص بين المرء وكماله، والإنسان يعشق الأشياء، لأنّه يرى فيها سعادته. والمعلوم أنّ كمال الحبّ وجماله لا يكون لغير الله. وإذا سطع نور الحبّ على قلب الإنسان أخرج من قلبه غيره، ولهذا نقرأ في الدُّعاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام): «اللّهُمّ إنّي أسألك أن تملأ قلبي حبّاً لك، وخشية منك، وتصديقاً بكتابك، وإيماناً بك، وفرقاً منك، وشوقاً إليك». وعن الإمام محمّد الباقر (عليه السلام) في حديث مع أحد أصحابه: «يا زياد ويحك، وهل الدِّين إلّا الحبُّ؟ ألا ترى إلى قول الله تعالى: (إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ)، الدِّين هو الحبُّ، والحبُّ هو الدِّين».

جاء عن الإمام زين العابدين (عليه السلام) في مناجاة المحبِّين: «إلهيّ مَن ذا الذي ذاق حلاوة محبَّتِك، فرامَ منك بدلاً، ومن ذا الذي أنس بقربك، فابتغى عنك حولاً، أسألك حبَّك، وحبَّ كلِّ عمل يوصلني إلى قُربك، وأن تجعلك أحبَّ إليَّ ممّا سواك، وأن تجعل حبِّي إيّاك قائداً إلى رضوانك، وشوقي إليك ذائداً عن عصيانك. يا أرحم الراحمين».

من بديهيّات الفطرة والعقل والمنطق أنّ الإنسان السويّ يحبُّ مَن أحسن إليه، فيسعى لإرضائه، اعترافاً بفضله، واستزادة من معروفه، وعلى قدر الإحسان يكون الحبُّ والإخلاص، ومن هنا كان حبُّ الفرد لأبويه، واندفاعه لطاعتهما، لأنّه يعرف فضلهما عليه، ويقدِّر جهودهما وسهرهما على راحته وحمايته من كلِّ سوء. وهكذا حبُّ التلميذ لمعلِّميه الذين يبذلون جهوداً مضنية من أجل تسهيل عملية تعلّمه ونجاحه وبناء مستقبله. فإذا كان هذا شأن الإنسان مع والديه ومعلِّميه وكلِّ من يقدِّم له خدمات وتضحيات، فما عسى أن يكون شأنه مع خالقه الذي وهبه الحياة والعقل والحواس؟

(وَاللهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (النحل/ 78).

وما عسى أن يكون شأنه مع خالقه الذي هيّأ له النِّعَم التي لا سبيل إلى حصرها، وما عسى أن يكون شأنه مع خالقه الذي سخّر له كلَّ خيرات الأرض وبركات السماء. وهكذا إذا أردنا أن نعدِّد نِعَم الله تعالى، فإنّنا لا نستطيع حصرها والإحاطة بها، كما أشارت الآية: (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ اللهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (النحل/ 18).

أمام هذا الحشد الهائل من الإحسان والفضل، ألا يجدر بنا أن نحبّ الله حبّاً لا يعادله حبّ، وأن نخلص له إخلاصاً لا يشابهه إخلاص، وأن نشكره شُكراً ليس له حدود، وأن نحمده حمداً أين منه حمد الآباء والمعلِّمين؟ على هذا الأساس يربط الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الإيمان الصادق بهذا الحبّ الخالص، فيقول: «لا يُمْحَضُ رجل الإيمان بالله حتى يكونَ الله أحبَّ إليه من نفسه وأبيه وأُمِّه ووَلده وأهله وماله ومن الناس كلِّهم».

ارسال التعليق

Top